الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
بسم الله الرحمن الرحيم اعلم: أنه لما كانت الحوادث لا بد من ضبطها وكان لا يضبط ما بين العصور وبين أزمنة الحوادث إلا بالتاريخ المستعمل العام الذي لا ينكره الجماعة أو أكثرها وذلك أن التاريخ المجمع عليه لا يكون إلا من حادث عظيم يملأ ذكره الأسماع وكانت زيادة ماء النيل ونقصانه إنما يعتبرها أهل مصر ويحسبون أيامهما بأشهر القبط وكذلك خراج أراضي مصر إنما يحسبون أوقاته بذلك وهكذا زراعات الأراضي إنما يعتمدون في أوقاتها أيام الأشهر القبطية عادة وسلكوا فيها سبيل أسلافهم واقتفوا مناهج قدمائهم وما برح الناس من قديم الدهر أسراء احتيج في هذا الكتاب إلى إيراد جملة من تاريخ الخليقة لتعيين موقع تاريخ القبط منها فإن بذكر ذلك 4يتم الغرض. فأقول: التاريخ عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده ويقال أيضًا: التاريخ عبارة عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض لتعرف بها الأوقات المحدودة ولا غنى عن التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأمور الدينية ولكل أمة من أمم البشر تاريخ تحتاج إليه في معاملاتها وفي معرفة أزمنتها تنفرد به دون غيرها من بقية الأمم. وأول الأوائل القديمة وأشهرها هو كون مبدأ البشر ولأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس في كيفيته وسياقة التاريخ منه خلاف لا يجوز مثله في التواريخ وكل ما تتعلق معرفته ببدء الخلق وأحوال القرون السالفة فإنه مختلط بتزويرات وأساطير لبعد العهد وعجز المعتني به عن حفظه وقد قال الله سبحانه وتعالى: " فالأولى أن لا يقبل من ذلك إلا ما يشهد به كتاب أنزل من عند الله يعتمد على صحته لم يرد فيه نسخ ولا طرقه تبديل أو خبر ينقله الثقات وإذا نظرنا في التاريخ وجدنا فيه بين الأمم خلافًا كثيرًا وسأتلو عليك من ذلك ما لا أظنك تجده مجموعًا في كتاب وأقدم بين يدي هذا القول ما قيل في مدة بقاء الدنيا. ماضيها وباقيها اعلم: أن الناس قد اختلفوا قديمًا وحديثًا في هذه المسألة فقال قوم من القدماء الأول: بالأكوار والأدوار وهم الدهرية وهؤلاء هم القائلون بعود العوالم كلها على ما كانت عليه بعد ألوف من السنين معدودة وهم في ذلك غالطون من جهة طول أدوار النجوم وذلك أنهم وجدوا قومًا من الهند والفرس قد عملوا أدوارًا للنجوم ليصححوا بها في كل وقت مواضع الكواكب فظنوا أن العدد المشترك لجميعها هو عدد سني العالم أو أيام العالم وإنه كلما مضى ذلك العدد عادت الأشياء إلى حالها الأول. وقد وقع في هذا الظن ناس كثير مثل أبي معشر وغيره وتبع هؤلاء خلق وأنت تقف على فساد هذا الظن إن كنت تخبر من العدد شيئًا ما وذلك أنك إذا طلبت عددًا مشتركًا بعده أعداد معلومة فإنك تقدر أن تضع لكل زيج أيامًا معلومة كالذي وضعه الهند والفرس فهؤلاء حيث جهلوا صورة الحال في هذه الأدوار ظنوا أنها عدد أيام العالم فتفطن ترشد. وعند هؤلاء أن الدور هو أخذ الكواكب من نقطة وهي سائر حتى تعود إلى تلك النقطة وأن الكور هو استئناف الكواكب في أدوارها سيرًا آخر إلى أن تعود إلى مواضعها مرة بعد أخرى. الأول: أدوار الكواكب السيارة في أفلاك تداويرها. الثاني: أدوار مراكز أفلاك التدوير في أفلاكها الحاملة. الثالث: أدوار أفلاكها الحالة في فلك البروج. الرابع: أدوار الكواكب الثابتة في فلك البروج. الخامس: أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة وهذه الأدوار المذكورة منها ما يكون في كل زمان طويل مرة واحدة ومنها ما يكون في كل زمان قصير مرة واحدة فأقصر هذه الأدوار أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة فإنه يدور في كل أربع وعشرين ساعة دورة واحدة وباقي الأدوار يكون في أزمنة أخر أطول من هذه لا حاجة بنا في هذه المسألة إلى ذكرها. قالوا: وأدوار الكواكب الثابتة في فلك البروج في كل ستة وثلاثين وألف سنة شمسية مرة واحدة وحينئذ تنتقل أوجات الكواكب وجوز هراتها إلى مواضع حضيضها ونوبهراتها وبالعكس فيوجب ذلك عندهم عود العوالم كلها إلى ما كانت عليه من الأحوال في الزمان والمكان والأشخاص والأوضاع بحيث لا يتخالف ذرة واحدة وهم مع ذلك مختلفون في كمية ما مضى من أيام العالم وما بقي. فقال البراهمة من الهند في ذلك قولًا غريبًا وهو ما حكاه عنهم الأستاذ أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني في كتاب القانون المسعودي: إنهم يسمون الطبيعة باسم ملك يقال له: إبراهيم ويزعمون أنه محدث محصور الموت بين مبدأ وانتهاء عمره كعمرها مائة سنة برهموية كل سنة منها ثلاثمائة وستون يومًا زمان النهار منها بقدر مدة دوران الأفلاك والكواكب لإثارة الكون والفساد وهذه المدة بقدر ما بين كل اجتماعين للكواكب السبعة في أول برج الحمل بأوجاتها وجوز هراتها ومقدارها: أربعة آلاف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة وعشرون ألف ألف سنة شمسية وهو زمان اثني عشر ألف دورة للكواكب الثابتة على أن زمان الدورة الواحدة ثلاثمائة ألف سنة وستون ألف سنة شمسية واسم هذا النهار بلغتهم الكلية وزمان الليل عندهم كزمان النهار وفي الليل تسكن المتحركات وتستريح الطبيعة من إثارة الكون والفساد ثم يثور في مبدأ اليوم الثاني بالحركة والتكون فيكون زمان اليوم بليلته من سني الناس ثمانية آلاف ألف سنة وستمائة ألف ألف سنة وأربعين ألف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف سنة شمسية فإذا ضربناها في مائة يبلغ غمر الملك الطبيعي البرهموي من سني الناس ثلثمائة ألف ألف ألف ألف سنة و أحد عشرة ألف ألف ألف سنة وأربعين ألف ألف سنة شمسية فإذا تمت هذه السنون بطل العالم عن الحركة والتكوين ما شاء الله ثم يستأنف من جديد على الوضع وقسموا زمان النهار المذكور إلى تسع وعشرين قطعة وسموا كل أربع عشرة قطعة منها نوبًا وسموا الخمس عشرة قطعة الباقية فصولًا وجعلوا كل نوبة محصورة بين فصلين وكل فصل محصورًا بين نوبتين وقدموا زمان الفصل على النوبة إلى تمام المدة وزمان الفصل هو خمسا الدور والدور جزء من ألف جزء من المدة فإذا قسمنا المدة على ألف تحصل زمان الدور أربعة آلاف ألف سنة وثمانية وعشرون ألف سنة وزمان النوبة عندهم أحد وسبعون دورًا مقدارها من السنين ثلاثمائة ألف ألف سنة وستة آلاف ألف سنة وسبعمائة ألف سنة وعشرون ألف سنة. وقد قسموا الدور أيضًا بأربع قطع وأولها أعظمها وهي مدة الفصل المذكور وثانيها ثلاثة أرباع الفصل ومدتها ألف ألف سنة ومائتا ألف سنة وستة وتسعون ألف سنة وثالثها نصف الفصل ومدته ثمانمائة ألف سنة وأربعة وستون ألف سنة ورابعها ربع الفصل وهو عشر الدور المذكور ومدته أربعمائة ألف سنة واثنان وثلاثون ألف سنة. ولكل واحد من هذه القطع الأربع اسم يعرف به فاسم القطعة الرابعة عندهم كلكال لأنهم يزعمون أنهم في زمانها وإن الذي مضى من عمر الملك الطبيعي على زعم حكيمهم الأعظم المسمى عندهم: الرهمكوت ثمان سنين وخمسة أشهر وأربعة أيام.ونحن الآن في نهار اليوم الخامس من الشهر السادس من السنة التاسعة ومضى من النهار الخامس ست نوب وسبعة فصول وسبعة وعشرون دورًا من النوبة السابعة وثلاث قطع من الدور المذكور أعني تسعة أعشاره ومضى من القطعة الرابعة أعني من أول كلكال إلى هلاك شككال عظيم ملوكهم الواقع في آخر سنة ثمان وثمانية وثلاثمائة للإسكندر ثلاثة آلاف سنة ومائة سنة وتسع وسبعون سنة وقال: إنما عرفنا هذا الزمان من علم إلهي وقع إلينا من عظماء أنبيائنا المتألهين برواياتهم جيلًا بعد جيل على ممر الدهور والأزمان وزعموا أن في مبدأ كل دور أو فصل أو قطعة أو نوبة تتجدد أزمنة العوالم وتنتقل من حال إلى حال وأن الماضي من أول كلكال إلى شككال ثلاثة آلاف ومائة وتسع وسبعون سنة والماضي من النهار المذكور إلى آخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للإسكندر ألف ألف ألف سنة وتسعمائة ألف ألف سنة واثنان وسبعون ألف ألف سنة وتسعمائة ألف سنة وسبعة وأربعون ألف سنة ومائة سنة وسبع وسبعون سنة. فيكون الماضي من عمر الملك الطبيعي إلى آخر هذه السنة ستة وعشرين ألف ألف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف ألف سنة وخمسة عشر ألف ألف ألف سنة وسبعمائة ألف ألف سنة واثنين وثلاثين ألف ألف سنة وتسعمائة ألف سنة وسبعة وأربعين ألف سنة ومائة سنة وتسعًا وسبعين سنة فإذا زدنا عليها الباقي من تاريخ الإسكندر بعد نقصان السنين المذكورة منه تحصل الماضي من عمر الملك بالوقت المفروض والله أعلم بحقيقة ذلك. وقال الخطا والايعز في ذلك قولًا أعجب من قول الهند وأغرب على ما نقلته من زيج أدوار الأنوار وقد لخص هذا القول من كتب أهل الصين وذلك أنهم جعلوا مبادي سنيهم مبنية على ثلاثة أدوار: الأول: يعرف بالعشري مدته عشر سنين لكل سنة منها اسم يعرف به والثاني: يعرف بالدور الإثني عشري وهو أشهرها خصوصًا في بلاد الترك يسمون سنيه بأسماء حيوانات بلغتي الخطا والايعز والثالث: مركب من الدورين جميعًا ومدته ستون سنة وبه ويؤرخون سني العالم وأيامه ويقوم عندهم مقام أيام الأسبوع عند العرب وغيرها واسم كل سنة منها مركب من اسميها في الدورين جميعًا وكذلك كل يوم من أيام السنة. ولهذا الدور ثلاثة أسماء وهي: شانكون وجونكون وخاون ويصير بحسبها مرة أعظم ومرة أوسط ومرة أصغر فيقال: دور شانكون الأعظم ودور: جونكون الأوسط ودور: خاون الأصغر وبهذه الأدوار يعتبرون سني العالم وأيامه وجملتها مائة وثمانون سنة ثم تدور الأدوار الثلاثة عليها مرة أخرى. واتفق وقوع مبدأ الدور الأعظم في الشهر الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة: ليزدجرد واسمه بلغتهم: كادره وبلغة العرب: سنة الغار وكان دخول أول افرودين هذه السنة من سني العرب يوم الخميس وهو بلغتهم: سن جن ومن هذا اليوم وعلى هذا التاريخ تترتب مبادي سنيهم وأيامهم في الماضي والمستقبل وشهورهم اثنا عشر شهرًا لكل شهر منها اسم بلغة: الخطا وبلغة الايعز لا حاجة بنا هنا إلى ذكره. ويقسمون اليوم الأول بليلته اثني عشر قسمًا كل قسم منها يقال له: جاغ وكل جاغ ثمانية أقسام كل قسم منها يقال له: كه ويقسمون اليوم بليلته أيضًا عشرة آلاف فنك وكل فنك منها: مائة مياو فيصيب كل جاغ: ثمانمائة وثلاثة وثلاثين فنكًا ثلث فنك وكل: كه مائة وأربعة أفناك وسدس فنك وينسبون كل جاغ إلى صورة من الصور الاثني عشرة ومبدأ اليوم بليلته عندهم من نصف الليل وفي منتصف جاغ كسكو يتغير أول النهار وآخره بحسب الطول والقصر من قبل أن كل جاغ ساعتان مستويتان وفي منتصف النهار ينتصف جاغ يوند وهم يكبسون في كل ثلاث سنين قمرية شهرًا واحدًا يسمونه: سيون ليحفظوا بالكبس مبادي سني الشمس في زمان واحد من سنة أخرى ويكبسون أحد عشر شهرًا في كل ثلاثين سنة قمرية ولا يقع عندهم شهر الكبس في موضع واحد بعينه من السنة بل يقع في كل موضع منها وكل شهر عدة أيامه إما ثلاثون يومًا أو تسعة وعشرون يومًا ولا يمكن عندهم أكثر من ثلاثة أشهر متوالية تامة ولا أكثر من شهرين ناقصين. ومبادي شهورهم يوم الاجتماع إن وقع اجتماع النيرين نهارًا فإن وقع الاجتماع ليلًا كان أول الشهر في اليوم الذي بعد الاجتماع وزمان السنة الشمسية بحسب أرصادهم ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا وألفان وأربعمائة وستة وثلاثون فنكًا والسنة أربعة وعشرون قسمًا كل قسم منها: خمسة عشر يومًا وألفان ومائة وأربعة وثمانون فنكًا وخمسة أسداس فنك ولكل قسم من هذه الأقسام اسم وكل ستة أقسام منها فصل من فصول السنة فاسم أول قسم من فصولها الحن وأوله أبدًا حيث تكون الشمس في ست عشرة درجة من برج الدلو وهكذا أوائل كل فصل إنما تكون في حدود أواسط البروج الثابتة وكان بعد مدخل الحن من أول الدور الستيني في السنة المذكورة أحد عشر يومًا وسبعة آلاف وستمائة وستين فنكًا واسم مدخله بي خايني وكان بعد دخول السنة الفارسية المذكورة بنحو عشرين يومًا ويبعد مدخله عن أول الدور الستيني ويتفاضل البعد بينهما في كل سنة بقدر فضل سنة الشمس على سنة القمر التي هي ثلاثمائة وأربعون وخمسون يومًا وثلاثة آلاف وستمائة واثنان وسبعون فتكًا ومقدار الفضل بينهما عشرة أيام وثمانية آلاف وسبعمائة وأربعة وستون فنكًا فإن زادت الأيام على زمان الشهر القمري الأوسط الذي هو تسعة وعشرون يومًا وخمسة آلاف وثمانمائة وستة أفناك نقص منها هذا العدد واحتسب بالباقي. فإذا عرفت هذا من حسابهم فاعلم أن عمر العالم عندهم ثلاثمائة ألف ون وستون ألف ون وكل ون: عشرة آلاف سنة. مضى من ذلك إلى أول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ليزدجرد وهي دور: شانكون الأعظم: ثمانية آلاف ون وثمانمائة ون وثلاثة وستون ونًا وتسعة آلاف وسبعمائة وأربعون سنة فتكون المدة العظمى على هذا: ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ألف سنة وستمائة ألف ألف ألف ألف سنة بهذه الصورة 3600000000 والماضي منها إلى السنة المذكورة: ثمانية وثمانون ألف ألف سنة وستمائة ألف سنة وتسعة وثلاثون ألف سنة وسبعمائة سنة وأربعون سنة بهذه الصورة 88639740 لله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله. وإنما ذكرت طرفًا من حساب سني البراهمة وطرفًا من حساب سني الخطا والايعز المستخرج من حساب الصين ليعلم المنصف أن ذلك لم يضعه حكماؤهم عبثًا ولأمر ما جدع قصير أنفه وكم من جاهل بالتعاليم إذا سمع أقوالهم في مدة سني العالم يبادر إلى تكذيبهم من غير علم بدليلهم عليه وطريق الحق أن يتوقف فيما لا يعلمه حتى يتبين أحد طرفيه فيرجحه على الآخر والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وقال أصحاب السند هند: ومعناه: الدهر الداهر أن الكواكب وأوجاتها وجوز هراتها تجتمع كلها في أول برج الحمل عند كل أربعة آلاف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة وعشرين قالوا: وإذا جمعت برأس الحمل فسدت المكونات الثلاث التي يحويها عالم الكون والفساد المعبر عنه بالحياة الدنيا وهذه المكونات هي: المعدن والنبات والحيوان فإذا فسدت بقي العالم السفلي خرابًا دهرًا طويلًا إلى أن تتفرق الكواكب والأوجات والجوزهرات في بروج الفلك فإذا تفرقت فيها بدأ الكون بعد الفساد فعادت أحوال العالم السفلي إلى الأمر الأول وهذا يكون عودًا بعد بدء إلى غير نهاية قالوا: ولكل واحد من الكواكب والأوجات والجوزهرات عدة أدوار في هذه المدة يدل كل منها على شيء من المكونات كما هو مذكور في كتبهم مما لا حاجة بنا هنا إلى ذكره وهذا القول منتزع من قول البراهمة الذي تقدم ذكره. وقال أصحاب الهازروان من قدماء الهند: إن كل ثلاثمائة ألف سنة وستين ألف سنة شمسية: يهلك العالم بأسره ويبقى مثل هذه المدة ثم يعود بعينه ويعقبه البدل وهكذا أبدًا يكون الحال لا إلى نهاية. قالوا: ومضى من أيام العالم المذكورة إلى طوفان نوح عليه السلام: مائة ألف وثمانون ألف سنة شمسية. ومضى من الطوفان إلى سنة الهجرة المحمدية ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وعشرون سنة وأربعة أشهر وأيام. وبقي من سني العالم حتى يبتدئ ويفنى مائة ألف وبضع وسبعون ألف سنة شمسية أولها تاريخ الهجرة الذي يؤرخ به أهل الإسلام. وقال أصحاب الأزجهير: مدة العالم التي تجتمع فيها الكواكب برأس الحمل هي وأوجاتها وجوزهراتها: جزء من ألف جزء من مدة: السند هند وهذا أيضًا منتزع من قول البراهمة. وقال أبو معشر وابن بو بخت: إن بعض الفرس يرى أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدة البروج لكل برج ألف سنة فكان ابتداء أمر الدنيا في أول ألف الحمل لأن الحمل والثور والجوزاء تسمى: أشرف الشرف وينسب إلى الحمل: الفصل وفيها تكون الشمس في شرفها وعلوها وطول نهارها ولذلك كانت الدنيا كانت إلى ثلاثة آلاف سنة: علوية روحانية طاهرة ولأن السرطان وكان والأسد والسنبلة: منقصة فإن الشمس تنحط من علوها في أول دقيقة من السرطان وكان قدر الدنيا وأبنائها منحطًا في الثلاثة آلاف الثانية ولآن الميزان أهبط الهبوط وبئر الآبار وضد البرج الذي فيه شرف الشمس دل على أنه أصابت الدنيا واكتسب أهلها المعصية والميزان والعقرب والقوس إذا نزلتها الشمس لم تزدد إلا انحطاطًا والأيام إلا نقصانًا. فلذلك دلت على البلايا والضيق والشدة والشر وحيث تبلغ الآلاف إلى أول الجدي الذي فيه أول ارتفاع الشمس وإشرافها على شرفها وفيه تزداد الأيام طولًا والدلو الحوت اللذان تزداد الشمس فيهما صعودًا حتى تصل لشرفها فيدل على طهور الخير وضعف الشر وثبات الدين والعقل والعمل بالحق والعدل ومعرفة فضل العلم والأدب في تلك الثلاثة الآلاف سنة وما يكون في ذلك فعلى قدر صاحب الألف والمائة والعشرة وعلى حسب اتفاق الكواكب في أول سلطان صاحب الألف فلا يزال ذلك في زيادة حتى يعود أمر الدنيا في آخرها إلى مثل ما كان عليه ابتداؤها وهي في ألف الحمل وكلما تقارب آخر كل ألف من هذه الألوف اشتد الزمان وكثرت البلايا لآن أواخر البرج في حدود النحوس وكذلك في أخر المئين والعشرات فعلى هذا الانقضاء للدنيا إذا كان الزمان يعود إلى الحمل كما بدأ أول مرة. وزعموا أن ابتداء الخلق بالتحرك كان والشمس في ابتداء المسير فدار الفلك وجرت المياه وهبت الرياح واتقدت النيران وتحرك سائر الخلائق بما هم عليه من خير وشر والطالع تلك الساعة تسع عشرة درجة من برج السرطان وفيه المشتري وفي البيت الرابع الذي هو بيت العافية وهو برج الميزان زحل وكان الذنب في القوس والمريخ والجدي والزهرة وعطارد في الحوت ووسط السماء برج الحمل وفي أول دقيقة منه الشمس وكان القمر في الثور وفي بيت السعادة وكان الرأس في برج الجوزاء وهو بيت الشقاء وفي تلك الدقيقة من الساعة كان استقبال أمر الدنيا فكان خيرها وشرها وانحطاطها وارتفاعها وسائر ما فيها على قدر مجاري البروج والنجوم وولاية أصحاب الألوف وغير ذلك من أحوالها. ولأن المشتري كان في السرطان في شرفه وزحل في الميزان في شرفه والمريخ والشمس والقمر في إشرافها دلت على كائنة جليلة فكان نشوء العالم وانبرز زحل. فتولى الألف هو والميزان وكان المشتري في الطالع مقبولًا. وكذلك جميع الكواكب كانت مقبولة فدل على نماء العالم وحسن نشوءه وكان زحل هو المستولي والعالي في الفلك والبرج طويل المطالع فطالت أعمار تلك الألف وقويت أبدانهم وكثرت مياههم وكون الميزان تحت الأرض دل على خفاء أول حدوث العالم وعلى أن أهل ذلك الزمان ينظرون في عمارة الأرضين وتشييد البنيان. ثم ولي الألف الثاني العقرب والمريخ وكان في الطالع المريخ فدل على القتل في ذلك الألف وسفك الدماء والسبي والظلم والجور والخوف والهم والأحزان والفساد وجور الملوك وولي الألف الثالث القوس وشاركه عطارد والزهرة بطلوعهما وكان الذنب في القوس فدل المشتري على النجدة في تلك الألف والشدة والجلد والبأس والرياسة والعدل وتقسيم الملوك الدنيا وسفك الدماء بسبب ذلك ودلت الزهرة على ظهور بيت العبادة وعلى الأنبياء ودل عطارد على ظهور العقل والأدب والكلام وكون البرج مجسدًا دل على انقلاب الخير والشر في تلك الألف مرات وعلى ظهور ألوان من آيات الحق والعدل والجور. ثم ولي الألف الرابع الجدي وكان فيه المريخ فدل على ما كان في تلك الألف من إهراق الدماء ودلت الشمس على ظهور الخير والعلم ومعرفة الله تعالى وعبادته وطاعته وطاعة أنبيائه والرغبة في الدين مع الشجاعة والجلد وكون البرج منقلبًا هو والبرج الذي فيه اشمس دل على انقلاب ذلك في آخرها وظهور الشر والتفرق والقسم والقتل وسفك الدماء والغصب في أصناف كثيرة وتحول ذلك وتلونه وكون الجدي منحطًا دل على أنه يظهر في آخر تلك الألف الحسن الشبيه بصفة زحل والمريخ وانقطاع العظماء والحكماء وبوارهم وارتفاع السفلة وخراب العامر وعمارة الخراب وكثرة تلون الأشياء وولي الألف الخامس الدلو بطلوع القمر وكان القمر في الثور فدل الدلو لبرودته وعسره على سقوط العماء وعطلة أمرهم وارتفاع السفلة والعبيد ومحمدة البخلاء وظهور الجيش الأسود والسود وعلى كثرة التفتيش والتفكر وظهور الكلام في الأديان ومحبة الخصومات وكون القمر في شرفه يدل على قهر الملوك وظهور ولاة الحق ونفاذ الخير وظهور بيوت العبادة والكف عن الدماء والراحة والسعادة في العامة وثبات ما يكون من العدل والخير وطول المدة فيه وكون البرج مائيًا يدل على كثرة الأمطار والغرق وآفة من البرد يهلك فيها الكثير ويلي الألف السادس برج الحوت بطلوع المشتري والرأس فيدل على المحمدة في الناس عامة وعلى الصلاح والخير ولا سرور وذهاب الشر وحسن العيش ولكل واحد من وزعم ابن بوبخت: أن من يوم سارت الشمس إلى تمام خمس وعشرين من ملك أنوشروان ثلاثة آلاف وثمانمائة وسبع وستون سنة وذلك في ألف الجدي وتدبير الشمس ومنه إلى اليوم الأول من الهجرة سبع وثمانون سنة شمسية وستة وعشرون يومًا ومن الهجرة إلي قيام يزدجرد تسع سين وثلاثمائة وسبعة وثلاثون يومًا فذلك الجميع إلى أن قام يزدجرد ثلاثة آلاف وتسعمائة وست وستون سنة. وقال أبو معشر: وزعم قوم من الفرس أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة بعدة الكواكب السبعة. وزعم أبو معشر: أن عمر الدنيا ثلاثمائة ألف سنة وستون ألف سنة وأن الطوفان كان في النصف من ذلك على رأس مائة ألف وثمانين ألف سنة. وقال قوم: عمر الدنيا تسعة آلاف سنة لكل كوكب من الكواكب السبعة السيارة ألف سنة وللرأس ألف سنة وللذنب ألف سنة وشرها ألف الذنب وإن الأعمار طالت في تدبير آلاف الثلاثة العلوية وقصرت في آلاف الكواكب السفلية. وقال قوم: عمر الدنيا تسعة عشر ألف سنة بعدد البروج الإثني عشر لكل برج ألف سنة وبعدد الكواكب السبعة السيارة لكل كوكب ألف سنة. وقال قوم: عمر الدنيا أحد وعشرون ألف سنة بزيادة ألف للرأس وألف للذنب. وقال قوم: عمر الدنيا ثمانية وسبعون ألف سنة في تدبير برج الحمل اثنا عشر ألف سنة وفي تدبير برج الثور أحد عشر ألف سنة وفي تدبير الجوزاء عشرة آلاف سنة فكانت الأعمار في هذا الربع أطول والزمان أجد ثم تدبير الربع الثاني مدة أربعة وعشرين ألف سنة فتكون الأعمار دون ما كانت في الربع الأول وتدبير الربع الثالث خمسة عشر ألف سنة وتدبير الربع الرابع ستة آلاف سنة. وقال قوم: كانت المدة من آدم إلى الطوفان ألفين وثمانين سنة وأربعة أشهر وخمسة عشر يومًا ومن الطوفان إلى إبراهيم عليه السلام تسعمائة واثنتين وأربعين سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يومًا فذلك ثلاثة آلاف ومائتان وثلاث وعشرون سنة. وقال قوم من اليهود: عمر الدنيا سبعون ألف سنة منحصرة في ألف جيل ولفقوا ذلك من قول موسى عليه السلام في صلاته: إن الجيل سبعون سنة ومن قوله في الزبور: إن إبراهيم عليه السلام قطع معه الله تعالى عهد البقاء البشر ألف جيل فجاء من ذلك أن مدة الدنيا سبعون ألف سنة واستظهروا لقولهم هذا بما في التوراة من قوله واعلم أن الله إلهك هو القادر المهيمن الحافظ العهد والفضل لمحبيه وحافظي وصاياه لألف جيل. وذكر أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتاب أخبار الزمان عن الأوائل: أنهم قالوا: كان في الأرض ثمان وعشرون ذات أرواح وأيد وبطش وصور مختلفات بعدد منازل القمر لكل منزلة أمة منفردة تعرف بها تلك الأمة ويزعمون أن تلك الأمم كانت الكواكب الثابتة تدبرها وكانوا يعبدونها ويقال: لما خلق الله تعالى البروج الإثني عشر قسم دوامها في سلطانها فجعل للحمل اثني عشر ألف عام وللثور أحد عشر ألف عام وللجوزاء عشرة آلاف عام وللسرطان تسعة آلاف عام وللعقرب خمسة آلاف عام وللقوس أربعة آلاف عام وللجدي ثلاثة آلاف عام وللدلو ألفي عام وللحوت ألف عام فصار الجميع ثمانية وسبعين ألف عام فلم يكن في عالم الحمل والثور والجوزاء حيوان وذلك ثلاثة وثلاثون ألف عام فلما كان ما لم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الأرض. فلما كان عالم الأسد تكونت ذوات الأربع من الوحش والبهائم وذلك بعد تسعة آلاف عام من خلق دواب الماء والهوام فلما كان عالم السنبلة تكون الإنسانان الأولان وهما: أدمانوس وحنوانواس وذلك لتمام سبعة عشر ألف عام لخلق دواب الماء وهوام الأرض ولتمام ثمانية آلاف عام من خلق ذوات الأرض وخلقت الأرض في عالم الميزان وثقال: بل خلقت الأرض أولًا وأقامت خالية ثلاثة وثلاثين ألف عام ليس فيها حيوان ولا عالم روحاني ثم خلق الله تعالى هوام الماء ودواب الأرض وما بعد ذلك على ما تقدم ذكره فلما بم أربعة وعشرون ألف عام لخلق دواب الماء وهوام الأرض ولتمام خمسة عشر ألف عام من خلق ذوات الأربع ولتتمة سبعة آلاف عام من لدن تكون الإنسانين خلقت الطيور. ويقال: إن مدة مقام الإنسانين ونسلهما في الأرض مائة ألف وثلاثة وثلاثون ألف عام منها لزحل: ستة وخمسون ألف عام وللمشتري أربعة وأربعون ألف عام وللمريخ ثلاثة وثلاثون ألف عام ويقال: إن الأمم المخلوقات قبل آدم هي كانت الجبلة الأولى وهي ثمان وعشرون أمة بازاء منازل القمر خلقت من أمزجة مختلفة أصلها: الماء والهواء والأرض والنار فتباين خلقها فمنها أمة خلقت طوالًا زرقًا ذوات أجنحة كلامهم قرقعة على صفة الأسود ومنها أمة أبدانهم أبدان الأسود ورؤوسهم رؤوس الطير لهم شعور وآذان طوال وكلامهم دوي ومنها أمة لها وجهان: وجه أمامها ووجه خلفها ولها أرجل كثيرة وكلامهم كلام الطير ومنها أمة ضعيفة في صور الكلاب لها أذناب وكلامهم همهمة لا يعرف ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون إذا تكلموا تصفيرًا ومنها أمة يشبهو نصف إنسان لهم عين واحدة ورجل يقفزون بها قفزًا ويصيحون كصياح الطير زمنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف في رؤوسهم قرون طوال لا يفهم كلامهم ومنها أمة مدورة الوجوه لهم شعور بيض وأذناب كأذناب البقر ورؤوسهم صدورهم لهم شعور وثدي وهم أناس كلهن ليس فيهن ذكر يلقحن من الريح ويلدن أمثالهن ولهن أصوات مطربة يجتمع إليهن كثير من هذه الأمم لحسن أصواتهن ومنها أمة على خلق بني آدم سود وجوههم ورؤوسهم كرؤوس الغربان ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الأجسام تأكل وتشرب مثل الأنعام ومنها أمة كوجوه دواب البحر لها أنياب كأنياب الخنازير وآذان طوال ويقال: إن هذه الثمانية والعشرين أمة تناكحت فصارت مائة وعشرين أمة.و
|